"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

عبد اللطيف الزبيدي/ انهيارات في جبل لبنان

الرصد
الاثنين، 12 يونيو 2023

عبد اللطيف الزبيدي/ انهيارات في جبل لبنان

السؤال ليس: ما الذي يجري في لبنان؟ فالمسألة هي: ما الذي يحدث للبنان؟ المأساة تتجاوز الشلل السياسي، وهي أسوأ وقعاً من الانهيار الاقتصادي، الذي جعل الليرة تهوي إلى ما دون قيمة طباعتها. الدولار يساوي مئة ألف ليرة. لا ييأس من عودة الروح إلى العملة، بخفّة يد نظام المحاصصات الطائفيّة، إلاّ الذين لا يستبعدون سوء المصير الذي تجرّعه دولار زيمبابوي، الذي صارت له ذات مرّة ورقة قيمتها واحد من التريليون من الدولار الأمريكي.

مأساة أخرى من بين المآسي، وليست هي موضوعنا، فالحديث عن انهيار منظومة قيم تربوية وأخلاقية وإنسانية واجتماعية. ما قيل في لبنان من أشعار على مدى عشرات السنين، وما شدَت به الحناجر من أغانٍ على مرّ العقود، يطرح أسئلة شوكيّة: لماذا سرعان ما تفقد الثقافة شعلتها، كالسعف الجافّ في جريد النخل، سريع الاشتعال، سريع الانطفاء؟ لماذا في بلدان العرب يَنثُر الشعراء درراً، فترديها الأيام حصىً؟ لكن الأيام لا تفعل ذلك، فالناس هم الفاعلون.

هل يُعقل أن يشقى اللبنانيون بقول سعيد عقل: «لي صخرةٌ عُلّقتْ بالنجم أسكنُها.. طارت بها الكُتْب قالت: تلك لبنانُ»؟ ما قيمة أن يقول خليل اليازجي: «يا أهل لبنان ما لبنانكم جبلٌ.. لكنه قمّةُ العلياء والشانِ»؟ ماذا تكون الآلاف من هذه الأشعار بالفصحى، وفي الأزجال ربّما أضعافها؟

العجيب هو المقارنة بالنسبيّة، فمحالٌ أن تجد بلداً عربيّاً، طبقاً لمعطيات المساحة وعدد السكان، أهدى إلى العربية وآدابها، والمسرح والموسيقى العربية، ما جاد به لبنان، أمّا الأبعاد التاريخية والحضارية، فمضاف ومضاف إليه، وأمّا تاريخ الطباعة والنشر والصحافة وحريّة الفكر والرأي والتعبير، ففيض شؤون يثير غيظ شجون. الآن، عليك أن تسأل: هل تلك الإيجابيات كلها مقدّماتٌ ممهّداتٌ لهذه السلبيات في الأوضاع اللبنانية؟ هل التسلسل طبيعي منطقيّ بين تلك الكنوز وبين هذا الإفلاس في جميع الميادين؟ هل تلك الجنّة المعنوية الثقافية صراط مستقيم إلى الجحيم اللبنانية الحالية؟.

ها قد وصلنا إلى الدرك الأسفل من انهيار منظومة القيم: في لبنان اليوم مئتا ألف طفل من السادسة فصاعداً، هم ضمن أنكى سوق عمالة، يقاسون أفظع أنواع الاستغلال. تخيّل مئتي ألف طفل في ساحة، لكن تصوّرهم على الحالة التي يفرغ فيها عامل تصليح السيارات من عمله عند الغروب. أهذا هو منتهى الإبداع الذي أسفرت عنه قرائح المحاصصات؟ إيليا أبو ماضي كان، كأنه يسخر ممّن لا يرى غير رداءة الأداء السياسي، وأنانية الطائفية، يقول: «غيري يراهُ سياسةً وطوائفاً.. ويظلّ يزعم أنه رائيهِ».

لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: لبنان لا يحتاج إلى أصدقاء، لأنهم لا يستطيعون مساعدته، ولا إلى أعداء، لأنهم أعجز من أن يفعلوا به ما فعل هو بنفسه.

الخليج

المقال السابق
ماذا لو كان "نفخ" حالة جهاد أزعور فخًّا لتمرير سليمان فرنجيّة؟!

الرصد

مقالات ذات صلة

روسيا تُقابل التصعيد بالتصعيد: الحرب العالمية لم تعُد خيالاً

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية