رغبة المرء في حياة عاطفية ساحرة، وسعيه إلى تكوين “ثنائي مثالي” مع الشخص الذي يُحبّ، هو أمر طبيعي، فبحثه عن الكمال، قد يبدأ منذ اليوم الأول للقائه به، حيث يحيك في لا وعيه، وخارجًا عن إرادته، صورة عنه، قد تجعل منه، “نصف إله”.
هذه الرؤية التي هي نتيجة صورة نمطيّة اجتماعية متوارثة، ووليدة أمنيات وتوقعات شخصية وقراءات ومشاهدات، تُظهر الزواج، كما لوأنه حياة كاملة متكاملة تعمّها السعادة والحبور، يعيش خلالها الزوجان في منزل يسوده الودّ والتفاهم والوئام، وينعمان بحياة جنسية مليئة بالرغبة والمتعة والنشوة.
ولكن ألا يوجد في هذه “النظرة” بعض من التبسيط والتغاضي عن وقائع وتحدّيات الحياة الزوجية؟
وألا تعتبر ضارة، لما تخلقه هذه الأفكار البعيدة عن الواقع، من إحباطات، فتحوّل هذا الشخص الذي يسعى إلى القيام بكل شيء بشكل مثالي إلى شخص غير متسامح؟
من المعروف أنّ العلاقات العاطفية في طبيعتها، لا يمكن أن تكون مثالية، لا بل تحتاج إلى الكثير من العمل والجهد والتواصل والتفاهم المتبادل لتزدهر وتنمو وتدوم.
وبيّنت الدراسات بأن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة والمغلوطة التي تؤدي إلى عدم دوام الزواج، نسلّط الضوء على أهمها:
أوهام الأيام الأولى
إنّ أوهام أيام “الغرام الأولى” والصورة المثالية التي يرسمها الأحبة عن محبوبيهم، وطريقة تصرّفهم للحظي بقلوب بعضهم البعض، ما تلبث أن تتلاشى مع العودة إلى طبيعتهم وسقوط الأقنعة، فتطفو العيوب، وتبدأ الخلافات، وتكثر التساؤلات، عن أفق ومستقبل العلاقة.
ويعيد علم النفس الميل بإظهار هذه الصورة المثالية أو ما يسمّيها ب”الأوهام القويّة”، في بداية العلاقة، إلى الأجهزة البيولوجية الموجودة لدى كل شخص، والتي تجعله يتغاضى عن الحقيقة، حيث أن “الأوكسيتوسين” أو هورمون الحبّ يكبّله ويحجب عنه المعلومات العقلانية. فالرغبة التي يشعر بها تكون ممتعة للغاية بالنسبة له، وتشعره بالنشاط والسعادة، وتُوقعه في حالة من الحماس العاطفي، قد تحجب عنه الواقع.
الرغبة والمتعة والنشوة
ولأنّ البحث عن الكمال والسعي إليه لا يتجزأ، ولأنّ المعتقدات الاجتماعية والدينيّة المتوارثة والمتعلّقة بالحياة الجنسية، تربط ربطًا وثيقًا بين الزواج المثالي ووجود الرغبة والمتعة الجنسيّتين، فقد أثبتت الدراسات أنّ هذا “المفهوم الخاطئ”، هو من الأسباب الأساسية في تدهور الكثير من الزيجات وفشلها، فالنقص في الرغبة، الذي يأتي طبيعيًا مع الوقت، يجعل بعض الازواج يعتقدون خطأً، بأنهم باتوا غير مرغوبين من الشريك، فيفقدوا احترامهم لذواتهم، وتصبح حياتهما معًا مضطربة.
”إما الحوار وإما خراب الديار”
لطالما روت أمي، بأنّ والديها، على الرغم من ملازمتهما لبعضهما البعض على مدار اليوم، إلا أنهما كانا لا يتوقفان عن تبادل الأحاديث، ما جعلها تتساءل عن سرّ هذه القدرة في التواصل.
فهل الأحاديث والثرثارات من أركان الزواج المثالي؟
من المعلوم أنّ الحوار بين الزوجين هو مفتاح التفاهم والانسجام، وهو القناة التي توصلهما ببعضهما البعض، لكن ليس المقصود هنا الثرثرات التي تصمّ الآذان بالكلام السلبي والفارغ، إنما الكلام المدروس في توقيته ومضمونه. فمن الطرق غير المثالية مثلًا، تلك التي قد يرشح عنها تعابير من الممكن أن تؤذي الآخر، ففي هذه الحالة من المستحسن “تصفية” الكلام، والاحتفاظ بجزء من الغموض، فوضع ال”فلاتر” لعدم التسبّب بالأذى للشريك قد يكون أفضل ألف مرة من الوضوح”، كما تقول سيسيليا كومو في كتابها “الزواج المثالي غير موجود”.
ولكن إذا لم يكن الغرام ولا التحاور ولا الرغبة الجنسية… أساس الزواج السعيد فما هي أركانه إذن؟
” :تقول المعالجة النفسية سيسيلياكوموle couple parfait n’existe pas في كتابها
“علينا أن نعي بأن الزواج الحقيقي هو بالضرورة غير مثالي، وربما سنتشاجر كثيرًا، ونعيش قصصًا خارج الزواج ولكن هذا لا يمنعنا من التفاهم، إنّ ما يحث الأزواج على البحث عن الكمال هو رفض الفشل”.
وتفضّل كومو تسمية ” الزواج المتين” على “المثالي”، وتضيف: لا شك في أنّ “الزواج القوي” يستلزم وجود عنصرين أساسيين هما أولًا الجاذبية الجنسية والحبّ، إلا أنه لا يمكن أن يقوم على العنصر الأول وحده كونه معرّض للتغيير والزوال كما سائر الأمور الحسيّة، لذا لا بدّ أن تدعمه عاطفة الحبّ، حتى الحبّ وحده لا يكفي لإقامة زواج متين لأنه هو أيضًا عرضة للزوال والتقلّب والتحوّل إلى كراهية خصوصًا عندما يأخذ صورة الولع، من هنا فإنّ أي زواج ليبقى ويستمر يجب أن يقوم على أربعة أركان هي الآتية:
-اللطف
-الاحترام المتبادل
-الامتنان ”
وتضيف: “لا أعرف ما إذا كان ذلك يضمن السعادة الزوجية، ولكنّه يمنعنا على الأقل من الضرر في العلاقة العاطفية”، فتقبّل الشريك على حقيقته، والشجار وتباين وجهات النظر والملل… لا يحولوا دون التفاهم والاستمرار، وما يحث الأزواج على البحث عن الكمال هو رفض الفشل”.
وتبقى أمتن العلاقات تلك التي يتعرّف فيها المرء على عيوبه من خلال عيوب شريكه، فالشخص الذي يأتي مع قائمة توقعاته الخاصة، غالبًا ما يشعر بالخيبة، ومع تكرار هذه الخيبات الصغيرة، يتراكم شعور بالاستياء، فالتشبّث بفكرة أن نكون مثاليين، غالبًا ما تجعلنا للأسف… عكس ذلك.