"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

عاد اسمه مع خطف المواطن السعودي.. ما هو "حيّ الشراونة"؟

نيوزاليست
الثلاثاء، 30 مايو 2023

عاد اسمه مع خطف المواطن السعودي.. ما هو "حيّ الشراونة"؟

عاد اسم “حي الشراونة” في بعليك الى التداول مع كشف بعض تفاصيل خطف السعودي مشاري المطيري وتحريره. فما هي قصة هذا “الحي” ومن هم “أركانه” ومن يدعمه؟

يكاد يعرف حي الشراونة في بعلبك على أنه معقل المطلوبين والهاربين من وجه العدالة، ما يجعله عرضة بشكل دائم لعمليات دهم ينتج عنها في كل مرة مواجهات تستخدم خلالها الأسلحة الثقيلة ويكون العسكريون أول ضحاياها عبر سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم.

وهذا الحي الذي يقع في خاصرة مدينة بعلبك الغربية ولا تتعدى مساحته الأربعة كيلومترات مربعة، يسكنه بشكل أساسي عشائر من آل زعيتر وجعفر ونون، بحيث تسيطر على القسم الشمالي منه عشيرة زعيتر وعلى القسم الجنوبي عشيرة جعفر وقد بات حالة تستعصي على المعالجات الأمنية المعهودة نتيجة السيطرة عليه من قبل عصابات السطو والسلب والاتجار بالمخدرات. هذا الواقع حوّله إلى «صداع أمني» تتجدد فيه الاشتباكات بشكل شبه يومي مع المطلوبين الذين يواجهون القوى الأمنية بمختلف الاساليب حتى إنهم عمدوا إلى تركيب كاميرات مراقبة يرصدون فيها تحركات هذه القوى وتسهّل لهم عمليات فرارهم من الحواجز الأمنية والمداهمات والدوريات وغيرها.

ويقع حي الشراونة عند مدخل مدينة بعلبك الشمالي، ويمسك بالطرقات التي تربط المدينة بالبقاع الشمالي. ولا يمكن الحديث عن حدود رسمية له لكن المتعارف عليه حاليا، أنه يبدأ شمالا من تل الأبيض وينتهي جنوبا عند مستشفى الططري، ويحده غربا منطقة الكيّال وبلدة إيعات.

وقد أنشئ عام 1958 عبر وضع اليد على عقارات أميرية وأخرى تعود لعائلات مسيحية (آل راشد وسركيس وغيرهم). وكان أول من شرع بالبناء على تلك الأراضي في منطقة الشراونة أولاد محمد جعفر، ثم كرّت سبحة البناء لتشمل سائر أهالي بلدة دار الواسعة. وموقع الشراونة على مقربة من «حي القلعة» يجعل سكانهما على احتكاك وخلافات دائمة، وقد سجلت آخر اشتباكات بين شبان من آل جعفر وآخرين من آل الرفاعي أسفرت عن سقوط قتيلين وإصابة ثالث وهو بحالة حرجة في المستشفى.

وورد في تحقيق نشرته صحفة “مناطق” أنّ حي الشراونة بعلبك لم يشكل هاجسا أمنيا للدولة خلال الفترة الممتدة من توقف الحرب إلى خروج الجيش السوري من لبنان. كان الحي في تلك المرحلة تحت السيطرة ما خلا حوادث قليلة. لكن ما بعد ال 2005، وخصوصا في السنوات الأخيرة بدأ الحي يشهد نموا مضطردا في الجريمة كميا ونوعيا .

بدأت تنسب لمطلوبين في الحي جرائم لم يألفها الشراونة منذ تأسيسه وغريبة عنه. وتزايدت أعداد المطلوبين من أبنائه، وبعضهم ملاحق بجرائم خطيرة تمس هيبة الدولة داخليا وسمعتها خارجيا. كما تحوّل الحي ملاذا لتأليف عصابات محترفة، تستقدم ملاحقين من خارجه، وتفيض ارتكاباتها عن الإجرام الخالص إلى الاستخدام السياسي.

سابقا، كان يحتمل الحي إيواء مطلوبين منه ملاحقين بجرائم شائعة في منطقة بعلبك، كالثأر وترويج مخدرات وغيرهما. فاتّهم مطلوبو الشراونة بعلبك بارتكاب جرائم خطف أشخاص مقابل فدية، وتصنيع وتهريب الممنوعات بكميات تحتاج إلى رساميل كبيرة وتوسيع أعمالهم في السلب إلى مناطق بعيدة عن بعلبك نفسها وعلى الطرق الدولية. كل ذلك أدى إلى تفتّح أعين الأمن واسعا على الحي، وصارت أخباره تتصدر عناوين نشرات الأخبار المحلية والعالمية وتملأ وسائل التواصل.

خطف الأشخاص والغارات على الطرق الدولية بقصد السلب والتصدي بالسلاح للدوريات العسكرية والأمنية والاقتصاص وترويع المخبرين المتعاونين مع الأجهزة الأمنية، هذه جرائم تحتاج إلى قدرات ومهارات وخبرات تفوق طاقة أهل الجي.وينفي جعافرة الشراونة توفير أي تغطية لمثل هذه الأفعال ولو كان المرتكبون من عائلتهم وأقاربهم. مع أن كل من التقيناهم في الحي، تجنّب الكلام إلينا مباشرة أو ذكر اسمه، لكن أكّد وجود تغطية ما من خارج الحي، وتحاشى تسميتها، نظرا لسطوة بعض المطلوبين وخشية الصدام معهم.

إلى هذه المحاذير هناك عوامل تعقّد من مشكلة الحي الأمنية. فلا يخفى في بلد لم تتورع طبقته السياسية وأحزابه عن إلقاء شعبها في أتون الجوع والفقر والعوز، أن تستخدم ملفا أمنيا مثل ملف الشراونة، وقودا في صراعاتها المستدامة.

وقد صار معروفا، ومن دون أي مواربة، أن حسم قضية المطلوبين في منطقة بعلبك يتشابك مع ملفات العفو العام والتهريب بين سوريا ولبنان ودور الجيش، وهذه موصولة بسائر موضوعات الانقسام السياسي في البلد.

والمفارقة المحيّرة، أنه في وقت يشكو المجتمع اللبناني برمته من الخارجين على القانون وجرائمهم. عرضت شاشات التلفزة المحلية في السنتين الأخيرتين مسلسلين حصدا أعلى نسبة من المشاهدين، هما “الهيبة”، و”عشرين عشرين”. يحبّب المسلسلان المشاهد بشخصيات المهربين ورؤساء العصابات وتجّار المخدرات. ويظهران هذه الشخصيات (التي تشبه المطلوبين في الشراونة بعلبك) ،بأنها قريبة من الناس وصاحبة إيثار في تقديم الخدمات والمساعدات مما يكسبونه من الأفعال الجرمية.

والأنكى من كل هذا، لا تملك الدولة أي وسيلة ضغط ناعمة، لوضع أهالي الحي في مواجهة المطلوبين. مع أن حي الشراونة يبلغ تعداد سكانه بالآلاف، لم تدخله المدرسة الرسمية إلا في عام 2005، أي بعد مرور 47 عاما على تأسيسه. ونصيب أبنائه من الجعافرة في الوظائف الرسمية لا يتجاوز ال 60 موظفا. ولا وجود لأندية وملاعب رياضية أو مشاريع تعدّل من نظرة أبناء الحي إلى دولتهم.ويقتصر ما تقدمه بلدية بعلبك لهم، على جمع النفايات. أما تدبير شؤونه الذاتية فمتروكة لمبادرات فردية. على هذا، في ظل الأوضاع المهترئة في طول البلاد وعرضها، يغدو تناول موضوع مطلوبي الشراونة أمرا ترفيهيا، لا بل خارج التاريخ،. فلا يمكن الحديث عن حل ل”عقوق” حي في ظل سياسات دولة طائشة. والدليل هذه “الشرونة” للبنان كله وتحويله إلى سدوم إجرامية تغص بالمطلوبين والخارجين عن القانون.

الشيخ محمد جعفر يضع مسؤولية ما آل إليه الحي، على عاتق الدولة والمسؤولين. ويتهمهم بتسييس ملف العفو العام وإدخاله في بازاراتهم السياسية ومقايضاتهم وبالتالي التأخر بإقراره. فهذا التباطؤ والتأجيل غير المبررين بنظره، ضاعفا من أعداد المطلوبين ورفعا من كلفة خسم هذا الملف مستقبلا.

ويضيف الشيخ جعفر أن لا مصلحة للحي بوجود توترات في علاقته مع المؤسسة العسكرية وسائر المؤسسات الأمنية. فالحصار الأمني المضروب على الشراونة بعلبك، عزل الحي عن جواره اقتصاديا واجتماعيا، وفاقم من أوضاع الناس معيشيا خصوصا الشباب. فهناك خوف من انزلاق هؤلاء الشبان إلى ارتكاب أفعال غير قانونية لتحصيل ما يسد حاجاتهم الحياتية.

مصادر الجعافرة تتحدث عن أكثر من 200 مطلوب. في حين مصادر أمنية ذكرت بأن العدد لا يتجاوز ال 75 مطلوبا تتفاوت التهم الملاحقين بها بين الجنح والجنايات. وبغض النظر عن دقة هذه الأرقام، هناك محاذير من حسم الملف الأمني للشراونة بالقوة الضاربة. وحاليا، هناك قواعد اشتباك غير معلنة بين المطلوبين والجيش، تضيّق من نشاط المطلوبين إلى أقصى حد وتوجيه ضربات موضعية وعنيفة لهم في حال خروجهم على الخطوط الحمراء.

المقال السابق
"ندوب" ما بعد العلاج.. هكذا يؤثر التلقيح الاصطناعي على صحة المرأة النفسية
نيوزاليست

نيوزاليست

مقالات ذات صلة

رويترز عن مسؤول في حزب الله: 1500 مقاتل "خارج الخدمة" بعد تفجيرات البايجر واللاسلكي

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية