ثمة ما يجمع بين حدثين شعبين يستقطبان الإهتمام: الاول في 14 شباط حيث يحيي “تيار المستقبل” الذكرى السنوية العشرين لاغتيال مؤسسه الرئيس رفيق الحريري، والثاني في 23 شباط، حيث يشيّع “حزب الله”، بعد أشهر عدة، أمينيه العامين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
الجامع بين الحدثين هو رفيق الحريري نفسه. نصرالله طالما دافع عمّن اتُهموا بداية وجرّموا لاحقا باغتيال الحريري في وسط بيروت بعبوة ناسفة فاقت زنتها الطنين من المتفجرات. المحكمة الخاصة بلبنان اقتنعت بأن مجموعة أمنية من حزب الله نفذت هذه الجريمة التي أحدثت زلزالا حقيقيا في لبنان. وعندما قتلت إسرائيل بعشرات الأطنان نصرالله في حصنه في حارة حريك في الضاحية الجنوبية، تذكر الجميع رف يق الحريري، وخرج من قال، ربما بانفعال: بشر القاتل بالقتل.
في الأيام المقبلة من هذا الشهر، سوف يكون مشهد ساحة الشهداء حيث يتم احياء ذكرى استشهاد الحريري، مليئا بالثقة والشعور بشيء من العدالة. سوف تكون هناك روح تسامح، من دون شك، ولكن العاطفة الجماهيرية ستكون عاصفة.
وبعد ذلك بأيام، سيكون المشهد في مدينة كميل شمعون الرياضية، حيث تجري مراسم تشييع نصرالله وصفي الدين، مليئة بالحزن العميق والانكسار الكبير، وإن كان بث القوة سيكون العمود الفقري لخطب اعتادت على تغيير معاني الكلمات، ولا سيما منها كلمة “الإنتصار”.
جمهور رفيق الحريري سيتطلع الى بناء دولة على يد الرئيس سعد الحريري، وريث مؤسس تيارهم اللبناني. جمهور نصرالله سيحن الى أيام الدولة الساقطة تحت ضربات الدويلة.
ولكن بعيدا من الجمهورين والعواطف، سيكون هناك شعب لبناني يتطلع الى يوم يتساوى فيه جميع الشهداء ليكونوا درسا ملهما، بإيجابياتهم وسلبياتهم، لإقامة الدولة الحقيقية، حيث تكون الكلمة العليا للمؤسسات التي تعبت تهشيما وتهميشا.
لم يعد اللبنانيون يريدون شهداء. لقد قدموا الكثير، ولفترات طويلة.بات اللبنانيون يلهثون وراء بناة دولة تستحق اسمها وصفاتها وشعبها وجغرافيتها.
لم يعد يريدون لأمثال رفيق الحريري أن يقتلوا على قارعة الطريق لأنه آمن بقدرته على بناء دولة، ولم يعودوا يريدون لأمثال حسن نصرالله أن يقتلوا في مقراتهم في خدمة مشاريع مثيرة للقلق، بل أن يكونوا قوة دفع لبناء المستقبل.
عمومًا، لا يصب تجميع الجماهير في تظاهرات متناقضة، في خدمة بناء الوطن، ولكن للشرق أحكامه، ولا بد من أن نتطلع الى أن تتحوّل الدماء المسفوكة الى أسس لغد مشرق!