"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

سمير ناصيف/ أنطوان حلبي في «مسيحيو لبنان: الخيار الأخير»: العودة إلى (لبنان الصغير) ممكنة وقد تؤمن حرية القرار للأقلية المسيحية

الرصد
السبت، 13 مايو 2023

سمير ناصيف/ أنطوان حلبي في «مسيحيو لبنان: الخيار الأخير»: العودة إلى (لبنان الصغير) ممكنة وقد تؤمن حرية القرار للأقلية المسيحية

انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة في الأوساط الثقافية- السياسية في لبنان تتمثل في توجه بعض الضباط العسكريين المتقاعدين نحو الكتابة التحليلية عن مواضيع تاريخية وسياسية ثم نشر نتاجهم الفكري ومواقفهم في كتب يتناول بعضها مواضيع حساسة في الشأن اللبناني. أحد هذه الكتب هو: «مسيحيو لبنان: الخيارالأخير» لمؤلفه الضابط أنطوان حلبي، الذي تقاعد العام الماضي وهو متخصص في التاريخ والحقوق في الجامعة اللبنانية ونال ماجستير في الاستراتيجيا من جامعة الدفاع الوطني الأمريكية في واشنطن. كتابه يتطرق إلى العلمنة والفدرالية في لبنان وإمكان التراجع عن مشروع لبنان الكبير الذي أقره الانتداب الفرنسي عام 1920. وكل ذلك، حسب منطق المؤلف، يمكن ان يتم من أجل تحرير القرار السياسي اللبناني المسيحي من هيمنة أحزاب ومجموعات تنتمي سياسياً وطائفياً إلى دول ذات طابع غير مسيحي وتحاول فرض انتماءها الديني والعقائدي على الأقلية المسيحية والأقليات الأخرى في لبنان. وعلى الرغم من أن الكاتب يوضح في المقدمة أن هدفه تلافي الحرب الأهلية عبر تجنب هيمنة أو تغليب فئة واحدة على باقي الفئات، فإن المنهج التحليلي الذي يعتمده قد يؤدي إلى غير ما يسعى إليه. يقول الحلبي في الفصل الثاني إنه «من أخطر ما يمكن أن يفعله قائد سياسي هو التضحية بحياة الناس للوصول إلى السلطة». (ص38). ويعتبر أن بعض قادة المجموعات المسيحية خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975إلى1990) فعلوا مثل هذا الأمر فيما تجنبه آخرون. ويعطي مثلا على ذلك ما حدث بعد مذابح وقعت بين حزبي «الكتائب» و «حزب الوطنيين الأحرار» في منطقة الصفرا شمال بيروت عام 1980. ففيما كان أي رد فعل عنيف سيؤدي إلى حرب داخلية بين المسيحيين، تجاوز الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون هذا الأمر عندما أمر محازبيه بعدم القيام بردات فعل دموية، على عكس ما فعله آخرون من القياديين اللبنانيين المسيحيين في حربي الإلغاء والتحرير في مرحلة لاحقة. ويرى المؤلف أن الشرط الأساسي الذي يؤمن استمرار الوجود المسيحي الحر في لبنان هو عدم المواجهات العسكرية والسياسية بين أحزاب المناطق المسيحية التي يتم التحريض عليها من الخارج في كثير من الأحيان والتي تؤدي إلى نتائج سلبية كارثية. ويوجه نقداً قوياً إلى بعض القياديين المسلمين في لبنان قائلا: «هناك قادة مسلمون لبنانيون يتذرعون بالتزام قضايا وطنية عروبية بينما هم يرفضون فعلياً ان يحكمهم رئيس غير مسلم، وقد يستخدمون القضية الفلسطينية أو الدفاع عن الفقراء والمحرومين أو إقصاءهم عن المشاركة في قرارات السلطة المصيرية كحجج للاستمرار في المطالبة بتعديل الدستور لمصلحتهم والتركيز على بنود اضيفت إليه وقلصت سلطات المسيحيين». (ص 42). ويشير حلبي إلى أن هذا الصراع على السلطة بين طوائف لبنان بدأ مع إنشاء لبنان الكبير عام 1920 إذ ألحقت مقاطعات ذات أكثرية سنية مسلمة بلبنان فيما رفضت أكثرية الفئات اللبنانية في البداية هذا القرار ذا الدافع الفرنسي الانتدابي، وقبلته جهات مسيحية مقربة من فرنسا على مضض مسايرة لفرنسا ورفضته أخرى. ويرى أن اختلاف المواقف بين مسلمي لبنان ومسيحييه استمر عندما حصل التدخل العسكري السوري في لبنان عام 1976. وهنا يفتقد تحليله إلى التعمق في العوامل السياسية والخلفيات غير الطائفية المتعلقة بهذا الموضوع إذ يشير إلى أن مسلمي لبنان أيدوا هذا التدخل ومسيحيوه رفضوه من دون التطرق إلى اختلاف مواقف الجانبين في مراحل مختلفة من تلك المبادرة السورية. ويصل في استنتاجه إلى أن «الدولة التي أريد لها ان تصبح دولة تعايش بين الأقليات، أصبحت دولة تناحر الأقليات». (ص 46). وقلما يتوسع في تناول قضية الدور السلبي الإسرائيلي-الأمريكي في مثل هذه النزاعات. سوى انه يذكر في نهاية كتابه (ص136) أن إسرائيل تستفيد من أي تطور في لبنان يؤدي إلى انقسام اللبنانيين وانفصالهم عن بعضهم. وفي نهاية الفصل الثاني يسأل: «هل يتخلى حزب الله كما قال مرشده الراحل الشيخ محمد حسين فضل الله عام 2002 بالفعل عن مشروع إنشاء الدولة الإسلامية في لبنان؟». ثم يضيف: «هل عمليات الجناح العسكري في حزب الله ضد مواقع أمريكية وإسرائيلية في مطلع الثمانينيات في لبنان هي مقاومة ضد الاحتلال؟ وهل بعد عام 2008 يفرض حزب الله مواقفه على اللبنانيين عموماً ويغير الخرائط حسب مشيئته ويتخذ من الاحتلال الإسرائيلي ذريعة للاستمرار في الاحتفاظ بسلاحه وهيمنته؟». (ص62). ثم يكمل أسئلته المشككة في الصفحتين (63 و64) قائلا: «ما هي مصلحة المسيحيين في لبنان في الاستمرار في المزايدة في العداء لإسرائيل على مصر والأردن والمغرب ودول في الخليج العربي فيما مسيحيو لبنان مهددون بأن يصبحوا أقلية مضطهدة في بلدهم؟». في بداية الفصل الثالث يطرح الحلبي مشروع العلمنة في لبنان قائلا: إن هذا المشروع واجهته الجهات غير المسيحية بمشروع إلغاء الطائفية السياسية والإبقاء على قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالطوائف، فالعلمنة الشاملة يعتبرها رجال الدين في الإسلام تجديفاً، لان بعض ما تنص عليه يخالف الشريعة الإسلامية. وفي عام 1987 نجح رئيس الجمهورية الياس الهراوي في تمرير قانون الزواج المدني الاختياري في مجلس الوزراء، ولكن رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري لم يحل هذا القرار رسميا إلى رئيس الجمهورية ليحيله إلى مجلس النواب، ودعمه مفتي الطائفة المسلمة السنية. كما دعمه رجال دين من طوائف أخرى وبالتالي تم إهمال المشروع بكامله. (ص 87). ويتساءل، إذا تمت مواجهة مشروع الزواج المدني بهذا الشكل، فكيف ستتم مواجهة مشروع العلمنة الشاملة في لبنان؟ ولذلك (برأيه) لا يمكن تطبيق العلمنة في لبنان. ومنذ اتفاق حزب «التيار الوطني الحر» مع حزب الله في 2006 يجري استخدام تعبير «الدولة المدنية» عند المطالبة بتطوير النظام اللبناني وليس الدولة العلمانية. (ص 89). أما بالنسبة إلى الفدرالية، فيتطرق الكاتب إليها في الفصل الثالث مفسراً إياها بـ «تقسيم لبنان إلى ولايات فدرالية، حسب الطوائف، وتقسيم السلطة بين حكومة مركزية وحكومات ولايات» (ص89). ولكن هذا التعريف ليس بالضرورة الوحيد للفدرالية السياسية، فآخرون من الخبراء يدعون إلى فدرالية مستندة إلى توسيع المحافظات وزيادة في صلاحيات مجالس المحافظات والمحافظين وليس بالضرورة تقسيم المحافظات حسب الطوائف وتحويلها إلى كانتونات طائفية. ويورد الكاتب خرائط نشرتها مجموعة مسماة «المؤتمر الدائم للفدرالية في لبنان» أمينها العام شارل رياشي، توضح بالتفصيل التقسيم الجغرافي لتلك الكانتونات الفدرالية- الطائفية ذاكراً أن فكرة الفدرالية طرحت في اجتماعات سابقة لقيادة الجبهة اللبنانية في خلوة سيدة البير (عام 1977) وخلوة ديرعوكر (عام 1980) علماً أن الفكرة انطلقت في أواخر خمسينيات القرن الماضي عند الثورة ضد نظام الرئيس كميل شمعون. يقول حلبي إن فكرة الفدرالية الطائفية المناطقية شكلت الحل لبعض الجهات المسيحية بعدما أشار اتفاق الطائف لعام 1990 الذي بُني عليه دستور الجمهورية الثانية إلى ضرورة تطبيق اللامركزية وتوسيع المحافظات الإدارية الحالية وتطبيق النسبية لحماية حقوق الأقليات فيها. ولكن اتفاق الطائف لم يشر إلى إنشاء كانتونات طائفية ولم يتطرق لفكرة مشروع الفدرالية الطائفية. فمثل هذا المشروع تعارضه أكثرية لبنانية مسلمة بينها عدد من كبار المعتدلين طائفياً في البلد على شاكلة الرئيس الراحل حسين الحسيني ورئيس الحكومة السابق سليم الحص. وهؤلاء وأمثالهم أشاروا ويشيرون إلى انه سيؤدي لاحقاً إلى تقسيم البلد وتصعيد الطائفية وإلى حروب أهلية جديدة. كما يسأل رئيس المجلس الدستوري السابق الدكتور عصام سليمان (كما ورد في الكتاب) ماذا ستكون طائفة رئيس دولة الفدراليات وأصحاب المناصب الرئيسية في الحكومة المركزية المشرفة على هذا النظام الفدرالي وكيف ستتوزع فيه الوظائف الكبيرة؟ قيادة الجيش وحاكمية البنك المركزي وغيرها. ويرى البعض أن الجواب هو أنه لو طبق بالفعل ما ورد في اتفاق الطائف لربما كان بالامكان التوصل إلى حلول لهذه القضايا كما تم في فدراليات أخرى في العالم. وبالتالي، فإنه من المبالغة ان يستنتج الكاتب في نظريته بأن الحل الأفضل لمسيحيي لبنان هو التراجع عن نظام لبنان الكبير والعودة إلى لبنان شبيه بما كان عليه في عهد المتصرفية وأن لبنان هو جبل لبنان فقط. فإذا قررت إحدى المجموعات المتواجدة خارج (لبنان الصغير) ذي الطابع المسيحي المبادرة بشن الحروب والمقاومة فالسؤال يطرح إذا كان لبنان برمته وحكومته المركزية سيكونان مسؤولين عن قرارات هذه المجموعة أم لا؟ كما انه في نظام فدرالي طائفي فقد تقتحم إحدى الولايات الأخرى في حروب ومواجهات هي بغنى عنها. أو قد تتواجه الفدراليات فيما بينها وضد بعضها الآخر. ويرى حلبي في الفصل الرابع أن اللبنانيين المسيحيين جربوا عدداً من الحلول ولم تنجح، فلم يبق أمامهم إلا الانفصال (فض الشراكة التي عقدت لدى إنشاء لبنان الكبير عام 1920). وهنا أيضا يبالغ الكاتب، فمتى جرب اللبنانيون كل الحلول؟ متى أُجريت تعديلات فاعلة وجذرية على قوانين الانتخاب، أو متى طبقت بنود واردة في اتفاق الطائف وغيره ما زالت مجمدة حتى الساعة، وهي خصوصاً البنود الإصلاحية؟ ويشير إلى ثلاث ذرائع أساسية قد تحاول دحض فكرة الانفصال، الأولى أن لبنان صغير المساحة ويصعب تقسيمه والثانية استحالة عيش المسيحيين مع بعضهم البعض بسلام والثالثة صعوبة إدارة المناطق المختلطة طائفياً في لبنان الصغير. ويقول إن دولاً أصغر من لبنان (كقبرص وغيرها) تمت قسمتها وان تعايش المسيحيين ممكن وبقاء أقليات غير مسيحية في لبنان الصغير ممكن معالجته. كما يدعو لإعلان بيروت مدينة مفتوحة على شاكلة هونغ كونغ في الدولة التي يطرحها. (ص113 إلى 117). وفي الخلاصة يقول حلبي إن الانفصال والعودة للبنان الصغير يجب أن يتم عن طريق الإقناع والدبلوماسية ومن دون مواجهات وحروب وممكن ان يجري من خلال اقتراح لرئيس الجمهورية المنتخب لتعديل الدستور. (ص 126). أنطوان حلبي: «مسيحيو لبنان: الخيار الأخير» دار سائر المشرق، بيروت 2023 150 صفحة.

القدس العربي

المقال السابق
علاقة مدهشة بين المنثول والزهايمر

الرصد

مقالات ذات صلة

وثيقة: نص القرار 1701

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية